(ايران تجني غطرستها وبلادتها)
م7ب3
يعيش النظام الإيراني مأزقاً حقيقياً في التعاطي مع الواقع الذي وصل إليه بعد الخروج الأميركي من الاتفاق النووي، وفشله التام في إدارة الأزمة وفق محاورها الثلاثة الاقتصادية والسياسية والعسكرية، ويعود ذلك إلى أن رؤوس النظام هناك ما زالوا يفكرون بمنطق الثورة وليس الدولة، ويخافون على المشروع الذي يحلمون في الوصول إليه أكثر من خوفهم على مستقبل بلدهم وشعبهم، بمعنى أخر إما أن تكون إيران ثورة أو لا تكون.
اقتصاديا غادرت ثماني شركات أوروبية كبرى إيران خلال الأيام القليلة الماضية، وتركت مصالح الفتات هناك بحثا عن المصلحة الكلية مع أميركا، رغم نداءات دولهم والاتحاد الأوروبي بالبقاء، وتفعيل قانون الحجب كما حصل مع کوبا 1996، ولكن تلك الشركات لم تستجب؛ لأن قرارها لا تحكمه غير مصالح الأقوى في السوق، خصوصا أن عدم تعامل إيران بالدولار سيعرضها للإفلاس، كذلك التحذير الأميركي الذي أمهل تلك الشركات 180 يوما لتسوية أوضاعها قبل أن تطالها العقوبات الأميركية المكلفة .
سياسيا كان وزير الخارجية الإيراني يعترف أن الدعم السياسي من أوروبا ليس كافيا لإنهاء الأزمة، ويطالبهم بلغة ثورية
كعادة النظام في مواجهة أميركا بالإبقاء على الشركات الاوروبية وعدم خروجها من السوق الإيراني ، والاستعداد لمرحلة ما بعد اميركا في الاتفاق النووي ، والفشل هنا ان ظريف يعرف قبل غيرة ان الإتفاق النووي انتهي بمجرد خروج الولايات المتحدة الاميركية منه، ولا يوجد خيار سياسي يرقي للحوار والمفاهمة بعد تراجع الموقف الأوروبي ،وإعلان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو خطة بلاده من إيران بالتركيز علي العقوبات الإقتصادية ، والإنسحاب من سورية ،ووقف دعم الإرهاب وتنظيماته .
عسكريا بدا واضحا الخسائر الكبيرة التي تتعرض لها القوات الإيرانية في سورية، ، والضربات الموجعة التي يتلقاها الحوثيون المدعومين من قبلها في اليمن، فضلا عن تراجع دورها العسكري في العراق أمام تزايد واسعة من الإصلاحيين للرئيس روحاني التفاهم السياسي بين المكونات العراقية بعد بالانقلاب عليهم وعدم التنسيق معهم في بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وعجز وكيلها حزب الله أن يطلق صاروخا على إسرائيل ردا على الهجوم الإسرائيلي في سورية، وزاده بأنه يكرر مواقف الأعداء. تكبيلا تصنيفه من عدة دول وعلى رأسها أميركا منظمة إرهابية.
المأزق الإيراني القادم سوف يتجاوز تداعيات الاتفاق النووي، والعقوبات، وتعديل السلوك إلى الخوف على مستقبل النظام، بل ومصيره، خصوصا أن الخلاف الإيراني من الداخل بدا يتنامي بشكل كبير ومثير وسريع بين المحافظين والإصلاحيين من جهة، وبين الحرس الجمهوري وخصومه السياسيين، | حيث وصل الأمر إلى اتهام المحافظين وزير الخارجية محمد جواد ظریف بالخيانة والعمالة للغرب وأميركا، كما تم سجن وتغريم حمید بقائي مساعد الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد على خلفية قضية فساد تقدم بها الحرس الثوري ضده، وشن أحمدي نجاد هجوما شرسا على صادق لاریجانی رئیس السلطة القضائية متهما إياه بالفساد المالي،. واستغلال سلطاته في تصفية حساباته الشخصية، ووصل الأمر إلى اتهام شريحة واسعة من الإصلاحيين للرئيس روحاني بالانقلاب عليهم وعدم التنسيق معهم في العديد من الملفات، والرضوخ الذي لا يليق أمام المرشد خامنئي، بينما الحرس الثوري يصف روحاني بأنه يكرر مواقف الأعداء
الخلاف بين كبار الساسة الإيرانيين بدأ يتنامی، والصوت لم يعد خافتا، والخطر بدأيرتد داخل أوساط الشعب الإيراني الذي تراجعت شعبية الثورة في داخله، ولم يعد متحمسا لها، أو لرموزها، أو حتى لمشروعها الأيديولوجي، حيث لا يزال الغالبية من الشعب يبحث عن لقمة عيشه، وعلاجه، ووظيفته ومسكنه، بل وتحديد مستقبله في ظل التطورات التي أعقبت الخروج الأميركي، وهو سيناريو مفتوح على جملة من التهديدات التي يمكن أن تعصف بالنظام في مسيرات خضراء جديدة، ومتوقعة، وهو ما يتهيأ له الحرس الثوري عبر بيانات وتصريحات وتدريبات عسكرية لن تجدي نفعا حين يقول الشعب كلمته
إيران أمام عاصفة قادمة لا محالة وشرارتها ستكون من الداخل وقريبا جدا والثمن سیکون هذه المرة النظام ورؤوساء حيث لم يعد هناك خطوط خلفية للتراجع أو التفاهمات ما دامت طهران تسلك طريق الثورة، وخامنئي يرفع شعار الولي الفقيه كمبرر للتدخل في شؤون الآخرين، ونشر الطائفية، ودعم الإرهاب، والأسوأ من ذلك أن «المرشد هتلر، لا يزال يحلم بإمبراطوريته الفارسية رغم كل ما جرى.. ولكن الحلم شيء والكابوس القادم شيء آخر.
عبدالهادي الطويلعي
28صفر1440ه